الزواج أساس تنظيم الحياة البشرية، عظّم الله فيه حق الزوج على زوجته، وحقها عليه، وأوجب حسن العشرة والمعاشرة بينهما، وقد ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه،إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
ويقول المولي عز وجل {وانكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم} [النور:32] فالآية الكريمة تبين لنا أنه لابد من إختيار الزوج الصالح لكي تعيش الفتاة في سلام وأمان، ولكن هل يباح للوالد أن يخطب لإبنته من يري أنه رجل صالح؟ وهل يجوز للمرأة أن تخطب لنفسها من تريده زوجاً لها؟ أسئلة تحتاج القوارير معرفة الرد عليها.
يجيب مما سبق فضيلة الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بالأزهر الشريف قائلاً: الدين الحق فيه الواقعية والموضوعية والشفافية، ففيما يتصل بعرض ولي أمر المرأة كالأب أو الأخ علي من يتوخي فيه الصلاح فهذا أمر مندوب، بل ذكر بعض أهل العلم أن هذا من السنن التي أماتها الناس في واقعنا المعاصر، لأن ذلك من هدي السلف الصالح، وهو أمر جائز ومندوب إليه، طمعاً في كسب الرجل الصالح في دينه وخلقه، وليكون ذلك سبباً في إستمرار النكاح والسعادة بين الزوجين، فالقرآن الكريم وهو الحق أخبرنا عن الرجل الصالح في سورة القصص حينما عرض إبنته علي سيدنا موسي عليه السلام حينما قال: {إني أريد أن أنكحك إحدي ابنتي هاتين علي أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك} [القصص:27] وفعلاً تم هذا الزواج مقابل أن سيدنا موسي عليه السلام يعمل أجيراً عنده هذه المدة، وهذا يسمي مهر المنافع.
وورد أيضاً أن سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه لما مات زوج ابنته سيدتنا حفصة رضي الله عنها، سارع سيدنا عمر بعد إنقضاء عدتها الشرعية بعرضها أولاً علي سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فسكت، ثم عرضها علي سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فامتنع، فغضب سيدنا عمر وشكاهما إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فطيب خاطره وأخبره أن الله تعالي سيزوجها لمن هو خير من أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، أي نفسه الكريمة صلي الله عليه وسلم، وفيما بعد قالا لسيدنا عمر إن إحجامنا لأننا عرفنا أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قد ذكرها لنفسه، فما كنا لنتقدم علي رسول الله.
وورد أيضاً في كتب السنة أن امرأة جاءت إلي النبي صلي الله عليه وسلم وهو في المسجد وعرضت نفسها عليه وقالت: وهبت لك نفسي يا رسول الله، فأعرض عنها صلي الله عليه وسلم، فكررت كلامها مرة ثانية، فأعرض عنها، وفي المرة الثالثة قال أحد الحاضرين: يا رسول الله زوجني بها إن لم يكن لك بها حاجة..إلخ.
فكان الصالحون في صدر الأمة المسلمة لا يجدون حرجاً إطلاقاً في عرض بناتهم وأخواتهم علي الصالحين الأكفاء دون أدني حساسية.
أما العُرف المصري السائد الآن فهو عرف مخالف للشريعة الإسلامية، ومعلوم أن العُرف إذا خالف نصاً شرعياً يٌلغي ولا يعمل به، وياليتنا نفقه أنه ليس عيباً أن نعرض بناتنا وأخواتنا علي الأكفاء والصالحين، فثقافتنا وموروثاتنا لابد أن تتغير، فلا يكون هناك معايرة ولا معايبة، لأن العارض أتي بأمر يتوافق مع أصل الشرع.
الكاتب: نورا عبد الحليم.
المصدر: جريدة الأهرام اليومي.